أدوارنا في الاسرة السعيدة

بقلم : د. نسرين حاج يحيى

محاضرة ومعالجة زوجية وعائلية مؤهلة

كل منا يتمنى أن ينتمي لعائلة سعيدة وناجحة يشعر في أحضانها بالأمن والأمان بحيث تكون له السند والمصدر الداعم الذي به يرتقي ومعه يصل إلى قمم النجاح وتحقيق الأماني والأهداف. ويطرح الكثيرون السؤال إزاء هذا التمني: هل هذه العائلة الداعمة الناجحة والسعيدة التي نطمح في العيش بين كنفها هي نتاج لأدوار فعالة نقوم بها أم هي منحة لا قدرة لدينا على المساهمة في بنائها أو صقلها أو تشكيلها أو تحديد ملامحها؟؟ سؤال سيشغلنا في هذه المقالة فيها نتداول موضوع أسري غاية في الأهمية وهو موضوع “الأدوار الأسرية” وما أثرها في بناء كيان عائلي متين وسليم.

ما هي الأدوار الأسرية:

يدعي معظم الاختصاصيون أن الأسرة هي “منظومه” في حين اعتبرها البعض الآخر “مؤسسة” كي تنجح وتتسم بالفاعلية وتكون مجدية على اعضائها والأفراد القائمين عليها القيام بكل ما هم مكلفون به من مهمات وأدوار كي تبقى وتستمر بل تنجح وترتقي. وقد اتفق اختصاصيو الأسرة ان لكل فرد من أفرادها دورعلية القيام به على اتم وجهه لكي يصلوا بالأسرة معا إلى بر الامان وهم يؤكدون بذلك ان العائلات وطبيعة العلاقات فيها هي نتيجة مباشرة لقيام كل فرد بدورة الصحيح وعلى الشكل الصحيح في حين أن تنصل أحد عن دوره أو قيام البعض بعدة أدوار في آن واحد (خاصة بعد تخلي فرد أو أكثر من أفراد الاسرة عن أدواره) قد يؤثر سلبا على الأسرة حتى إنه من الممكن أن يهدد كيانها واستمراريتها. وقد يتم ذلك تحديدا اذا تخلى اكثر من شخص عن دوره فيها أو كانت الأدوار المتخلى عنها أساسية ومهمة.

من الذي يحدد الادوار الأسرية:

يتم تحديد الأدوار الأسرية عادة من قبل عوامل خارجية وعوامل داخلية, أما الخارجية فهي تشمل المجتمع والحضارة والثقافة التي نعيش فيها وكيف تحدد بحسب مفاهيمها وعاداتها وتقاليدها ما هي الادوار التي يجب ان تلقى على عاتق كل واحد من الأفراد. اما الداخلية فهي تشمل معتقدات ومبادىء كل أسرة بحسب تاريخها وتجاربها والأسس التي ترتكز إليها والتي بحسبها يتم توزيع الأدوار على افراد الأسرة. علما أن هذا التقسيم قد يكون كما ذكر معلنا أو غير معلن صادرا عن الوعي أو باللاوعي.

أمثلة على الادوار الأسرية:

هناك أدوار عائلية إيجابية يمكن أن نجدها كلها أو بعضها لدى العائلات الناجحة واهتمام أحد أفراد الأسرة بها يؤثر إيجابيا على التفاعل العائلي ويجعل من الاجزاء العائلية اكثر استقرارا وأمنا ومنها :

بالمقابل هناك أدوار قد يؤدي تشبث أفراد العائلة فيها إلى جعل الأجواء العائلية مشحونة وقد يهدد استمرارية العائله أصلا ومنها:

والجدير ذكره هنا أننا لا نتحدث عن صفات أو سمات شخصية انما هي أدوار يقوم بها افراد الأسرة كجزء من انتمائهم لمؤسسة العائلة والتي حالها حال المؤسسات استمرارها وسماتها وقوتها وقدراتها مرتبط إلى حد كبير بالادوار التي يختار أن يقوم أفرادها بها، فإن اختاروا الايجابي كانت أجواء العائة إيجابية في حين اختيار الادوار السلبية يجعل من الأسرة ضعيفة ومهزوزة، ونعطي بعض الأمثلة لنبين الأمر بشكل اوضح:

دور كبش الفداء: في بعض العائلات والتي يشعر أفرادها ببعض البرود العاطفي او لدي البعض منهم الشعور بالتفرقة والتمييز أو تفضيل واحد على آخر، نجد بالعادة شخصا يشعر أنه ” البطة السوداء” وقد يتطور هذا الشعور في بعض الحالات خاصة اذا لم يعِ الأهل لهذا الشعور وقد يتحول بمرور الزمن الى “دور” يأخذه الفرد الذي يشعر بهذا الاضطهاد. وفي بعض العائلات المفككه يأخذ فرد على عاتقه دور كبش الفداء الذي يضحي دائما ويلغي نفسه من اجل الآخرين ، وقد يقدم هذا الفرد نفسه “كبشا” لينقذ العائلة من الانهيار وليمنع ضياعها. علما أن علماء العائلة أطلقوا على هذا الفرد رمز ال- (IP) الذي يكون له دور اتخاذ دور “المريض” او “صانع المشاكل” او ” المدمن” او “الفاشل” ،بكل الاحوال بشكل غير واع يتحمل هذا الفرد على عاتقه أن ترتكز كل مشاكل العائلة فيه وتظهر أحيانا على شكل تصرفات لا أخلاقية أو غير سوية أو مرضية ،كل هذا بهذا بهدف ان تنشغل الاسرة بمشاكل هذا الفرد بدلا من أن تلتفت الى مشاكلها. وهذا يذكرنا باصل كلمة كبش الفداء ذات الأصول القديمة والتي تتبع للقبائل التي كانت تؤمن بأن الآلهة ترسل الصواعق واللعنات اذا كان في القبيلة شخص سيء ، ولذا فكانت تقدم شخصا ضعيفا منها قربانا ترتكز فيه اللعنة بدلا ان تحل على الجميع. وهذا هو حال ال- (IP) الذي يأخذ على نفسه دور “المنحرف” في المجموعة كمثال لكي يمنع تفكك الأسرة فهي مشغولة “بمرضه” الذي يوحدها بدلا من ان تنشغل بمشاكلها وتنهار أو تتفكك.

دور محقق الأحلام: دور ينسب إلى أحد الافراد الذي يشعر أفراد الأسرة أن لديه القدرات والكفاءات. بموجب هذا الدور عليه أن يحقق أحلام الاسرة أو حلم أحد الوالدين أو كليهما. وقد يحرم كثير من الآباء تحقيق حلم شخصي فيسند “مهمة” تحقيق هذا الهدف لابنه او ابنته. على سبيل المثال: أب لم ينجح بكسب المكانة في عائلته الاصل وكان يعتبر الضعيف غير القادر فيها وغير المركزي يسند مهمة تحقيق الشرعية لوجوده و”رد اعتباره” عبرنجاحات ابنه الذي يلم بتعويض ابيه وتحقيق أحلامه ولا يسمح لنفسه بأي فشل لأن بالنسبة له فشله هو فشل أبيه مما يثقل أحيانا على كاهله.

توصيات حول الأدوار الأسرية:

أولا:

من المهم جدا ان ندرك أن للأسر ادوارا منها الواضحة ومنها المخفية وإن كانت مخفية ولكنها قائمة علما أن الادوار المخفية قد تكون هي الأهم من أي دور معلن. وبما أنها مخفية وتكون منسوبة للاوعي، فمن المهم أن نعي ما الذي يحركنا ويقودنا وقد نبدأ رحلة الوعي هذه عبر حديث نفس فردي أو عبر القراءة والسؤال ما هي أدواري في العائلة وما هي مهماتي التي أنا مسؤول.

ثانيا:

إن كان هذا الامر صعب المنال بمفردنا فعلينا ان نتوجه لاختصاصي يساعدنا لكي نعلم إن كان دورنا سلبيا ام ايجابيا في الأسرة علما ان تغيير الأدوار أمر غاية في الحساسية وعلينا ان نحسن التعامل لأن كل تغيير لدى فرد يعكس على الآخرين ويكون له ردود فعل من قبل كل “المنظومة” العائلية. ويدرك الاختصاصيون اساليب تجعل من التحرك والتغيير في العائلة مجدية وليست مهددة لكيان العائلة علما أن كثيرا من العائلات تخشى التغيير فتفضل لهذا السبب عدم التوجه لاستشارة بل وبالعكس فهي تتشبث بادوارها لكي لا تحدث هذا التغيير الذي قد يهدد كيانها

في النهاية نقول ………………على كل فرد في الأسرة أن يسعى لتبني أدوارا ايجابية بقدر المستطاع التي تجعل الأسرة سعيدة وآمنة ومستقرة ،كذلك على الأسرة تجنب تبادل الادوار فكل يقوم بدوره دون تبديل ثابت ومستمر للادوار لأن شأن تبديل الأدوار أن يثقل على الأفراد ، فلنتخيل ابنة أخذت دور الأم بشكل دائم وتنحت الأم عن دورها فهي بذلك تجعل الابنة تفقد طفولتها والأم تفقد بدورها التواصل الايجابي والاتصال العاطفي مع افراد أسرتها. ونحن نؤكد أن المستهجن هو تبادل الادوار الدائم وليس المؤقت الذي يصب باطار “المساعدة” او ملء مكان لفترة زمنية وجيزة. إن شأن هذا أن يجعل من الأسرة سعيدة ناجحة ومتكاتفة.