اطفال الساندويش
بقلم : د. نسرين حاج يحيى
محاضرة ومعالجة زوجية وعائلية مؤهلة
الابن الوسط
كنا قد أكدنا أن لمكان الافراد في الترتيب العائلي من حيث الولادة الاثر الكبير على شخصيتهم وطباعهم وحتى على قدراتهم وانجازاتهم وطبيعة علاقاتهم الأسرية حاضرا ومستقبلا. ولأن الموقع التسلسلي في الترتيب العائلي له بالغ الأثر على الفرد, فإن البعض يدعى بانه بالامكان تحديد ملامح الخصائص الشخصية للفرد بمجرد أن يعرف موقعه من حيث ترتيب الولادة في العائلة. وكأن لسان حاله يقول قل لي في أي مرتبة أنت في العائلة أقل لك من أنت. وبعد أن أبحرنا في عالم الابن البكر نكمل مع الابن الاوسط في الأسرة وأثر ذلك على طباعه ومميزاته وقدراته وانجازاته علما أننا سنتطرق لاحقا باذن الله إلى موضوع الابن آخر العنقود. ننوه في البداية انه لسهولة الأمر سنكتب بلغة المذكر ولكن المضمون خاص بالجنسين مع العلم بوجود خصوصية للذكر والانثى تحديدا في مجتمعنا والتي سنتطرق اليها في مقالات لاحقة.
ما خصوصية الابن الأوسط:
خلال كتابة كلمات هذا المقال وفي أوج حيرتي كيف لي ان افتتحه بشكل جذاب ، استيقظت ابنتي الوسطى من نومها وحين وجدتني احتضن حاسوبي النقال وأجلس في غرفتها قالت لي: امي لقد حلمت حلما وفيه رأيت ان أختي (البكر) قد أرسل بها أبي الى القمر !!! ولكنها لم ترجع أبدا وأنا خائفة وبدأت في البكاء… سبحان الله …إن حلم ابنتي الغالية لهو خير وصف لنفسية الطفل الاوسط فهو يقدم إلى عائلة يوجد فيها ابن سابق تربع على عرش القيصر وبعد حين يليه ابن آخر فالاول “يرسله أهله الى القمر” عاليا عاليا ليكون محط أنظار الجميع ويحصل بذلك على قدر كبير من الاهتمام ويستقي قدر كبير من إلقاء الضوء المصوب نحوة لانه تجربة الأهل الأولى في كل شيء وكذلك الأخير الذي يحظى باهتمام خاص كونه يحتل مكانة الأصغر المدلل الذي لن يأتي بعده أحد.
وأين الوسط ؟ انه يحارب على موقعه فالاوسط وكأنة بلا خصوصية كما البكر الذي كان له شرف الأول وكان فترة من الزمن وحده، ولا كما الاصغر الذي لن يأتي أبدا بعده أحد. والجدير ذكره أنه في كثير من العائلات يعيش هذا الطفل الاوسط في منافسة بين الأخ البكر والأخ آخر العنقود على فتات الاهتمام كأن لسان حاله يقول أنا هنا انظروا إلي ولو قليلا.
علما أنه سمي بالساندويش من هذا الباب فكما هو معلوم فإن الشطيرة سميكة الاطراف والطبقة الوسطى هي الرقيقة والمضغوطة في الوسط تصارع هذا الضغط وليس لها مكان آخر، فان خرجت من الوسط فقدت الشطيرة طعمها….. ولكن مهلا أيها الآباء قبل ان تغرقوا في تأنيب الضمير تجاه ابنكم الوسط الذي يصارع على كسب البعض من الاهتمام والمحبة، تعالوا بنا نرى انعكاسات مكانته في الترتيب العائلي على شخصه علما اننا نطمئنكم فكما لها انعكاسات سلبية لها ايضا الايجابية واليكم فيما يلي جانبا من الايجابيات :
الثاني في كل شي ولكن!!!
صحيح أن الطفل الاوسط يكون الثاني في الولادة والثاني في استعمال الأغراض والملابس والكتب والثاني أحيانا بكمية الوقت المبذول من قبل الوالدين والاهتمام (كونهما يرافقان البكر الذي هو اول تجاربهما في كل شيء ولذا يحتاج لطاقات اكثر) ولكن مع هذا فللثاني أحيانا أفضلية وأهمها أن الوالدين يكونان اكثر تجربة وثقة بالنفس واقل ضغط وتخوفا ولا يتعاملان معة كأنه “فأر تجارب” بل يستعملان عصار تجاربهما مع البكرحين يتعاملان معه ليكونا بذلك اكثر جودة وصحة وصوابا بالتعامل ، ويقول الاختصاصيون ان لهذا الامر بالغ الاثر على شخصية الطفل فتعامل الوالدين معه من منطلق ثقتهما بنفسهما وزخم تجربتهما ينعكس على شخصيته ويجعلها غالبا أكثر قوة وأشد عودا وأكثر جرءة.
مكاسب اخرى للثاني
ان الطفل الثاني محرر من أزمة “الخيانة” الوالدية بمعنى ان الطفل البكر كان وحيدا فترة من الزمن الى حين اختار والداه انجاب الطفل الثاني ليشاركه في كل شيء ويخلعه عن عرش القيصر كما ذكرنا في المقال السابق، الا أن الطفل الثاني لا يعاني من أزمة الخيانة لأنه رأى أخاه في محيطه واعتبرمنه من اللحظة الاولى. صحيح انه في حالة منافسة دائما مع البكر والأصغر ليثبت تميزه، الا أننا نجد للأمر هذا الايجابية الكبيرة فوجود طفل آخر بمحيط الطفل لهو المحفز الذي يسرع من تطور الاوسط ونموه ، فعنده شريك للعب ولديه قدوة يتعلم منها في كافة المجالات، فعلى سبيل المثال وجد أن الطفل الساندويش يكون في أغلب الاحيان أكثر تطورا من حيث اللغة فيتكلم بعمر أصغر من عمر اخيه وتكون ثروته اللغوية اكبر بكثير. يشار في هذا السياق الى أن وجود طفل آخر في محيط الطفل يجعله أكثر تطورا من حيث القدرة على التواصل الاجتماعي ويصقل لديه مهارات التعامل أكثر مع الآخر.
ملخص صفات أطفال الساندويش:
- يشعرون بمرارة لانهم في المرتبة الثانية سواء في الاهتمام أو حتى بالجوانب المادية وخير دليل أنهم غالبا يستعملون ما هو قديم و”يد ثانية” لأن البكر فرغ منه في حين يحظى البكر بالجديد.
- إذا لم يتعامل الوالدان بالشكل الصحيح معهم فإنهم أكثر شعور بالنقمة ازاء من حولهم والشعور بالظلم.
- يتبارون مع البكر على اهتمام الوالدين, يشعرون أنهم أقل تميزا .
- منافسون بطبعهم لانهم يحاربون على مكانتهم داخل العائلة.
- مستوى عال من الطموح وحب المغامرة.
- أكثر قدرة على تطوير العلاقات الاجتماعية.
- أكثر قدرة على تطوير الثروة اللغوية.
- أكثر قدرة على التقاسم والتعامل مع الشركاء.
بين سلبيات مكانة الاوسط وبين ايجابياتها ما على الاهل عمله:
لكي يجني الأهل الايجابيات مع طفلهم والتي يقتطفها لمكانته في المرتبة الثانية ولكي يخففوا من سلبية هذه المكانة ويقلصوها بقدر الامكان ينصح بما يلي:
- علينا أن نفهم ونكون حساسين وواعين لما يمر به الطفل الاوسط من منافسة دائمة و”حرب” مستمرة بالوعي او باللاوعي ونعلم كم هذا يرهقه نفسيا ويثقل على كاهله.
- بعض الاهل يقعون ضحية تأنيب الضمير تجاه الاوسط ويتعاملون معه من هذا المنطلق وهذا خطأ فادح تماما كما الاهل الذين لا يتفهمون هذا الطفل فينتابهم الغضب الشديد لتصرفاته التي من خلالها يريد كسب الاهتمام والمحبة. وكل من ردود الفعل (تأنيب الضمير والغضب) سيء ويجب الامتناع منه.
- علينا ان نمنحهم الاهتمام والمحبة والرعاية ونشعرهم اننا “نراهم” ونحس بهم ونهتم بهم ولحالهم كما من المهم تعزيزهم وتشجيعهم.
- علينا الامتناع عن المقارنة بين الإخوة بل بالعكس علينا أن نكتشف جوانب التمييز لديهم والخاصة بهم ونساعدهم على معرفتها والاعتزاز بها لما لهذا من اثر كبير على بناء ثقتهم بنفسهم من جانب ومن جانب آخر يخفف من حدة التنافس الهدام مع باقي الإخوة لادراكهم أن الكل مميز ولكن في جانب آخر.
- منح مشاعر الحب والتشجيع يجب أن يكون بقدر فلا يجعلنا ننسى اهمية وضع الحدود فلا نتسامح مع التصرفات العدوانية بكل أشكالها فبعض الأطفال في المراتب الوسطى يطورون تصرفات عدوانية تجاه انفسهم او تجاه الآخرين كطريقة لكسب الاهتمام ولفت النظر، وعلينا ان لا نعزز ذلك بأن نهتم فيهم فقط عند ممارستهم للاعتداءات وإنما العكس تماما يجب أن لا نقبل اي عدوانية بأي شكل ولأي سبب.
- بدلا من ذلك علينا أن نعلمهم لغة الحوار والتعبير الصحيح عن المشاعر ليشعروا بالراحة بمشاركتنا بها فنبني معهم جسور الحوار والتواصل ونعلمهم أن يعبروا عن مشاعرهم بالكلام وليس بالتصرفات غير السوية كأن يضرون بأنفسهم او بغيرهم لوجود الغيرة والمنافسة والشعور بالقلق او الشك.
- يجب أن نتفرغ لأولادنا ونمنحهم ولو نصف ساعة يوميا مخصصة لهم وحدهم نشعرهم أننا لهم وحدهم ونقوم وإياهم بفعالية أو حوار أو لعبة أو أي عمل مشترك نأكد من خلال هذة الفعالية محبتنا واهتمامنا لهم واننا نخصص لهم وقتا خاصا بهم معنا حتى وان كانت مشاغلنا كثيرة..علما ان لهذه الفعالية الفردية سحرا عجيبا على نفسيتهم والكثير من الاباء والامهات الذين داوموا على منحها يؤكدون أثرها الايجابي على أطفالهم والعلاقة الوالدية والعائلية عموما.
- إلى جانب العمل الفردي مع الأطفال كل على حدا كما ذكرنا في البند السابق علينا أن نعزز روح الجماعة والانتماء العائلي والعمل على بناء علاقات حب وتعزيز وتشجيع العمل الجماعي ويمكن أن يكون ذلك بطلب تنفيذ مهمات جماعية يفهم الاولاد من خلالها أنه بدون تعاونهم وان يكمل الواحد الآخر لن تنفذ هذه المهمة.
وفي النهاية نقول للآباء والأمهات والمربين عموما أن على رسلكم في التعامل مع الطفل الاوسط فصحيح أن الطفل الساندويش كما حشوة الساندويش مضغوط بين طرفين الا أن علينا أن نتذكر انه بلا هذه الحشوة فلا ساندويش أصلا ولنجعل من هذا الحشوة لذيذة ولنستثمر فيها فكذا يكون الساندويش لذيذ الطعم وحلو المذاق……وصحتين وعافية .
واخيرا نختم بالتأكيد…..كثيرا ما نتساءل ما سر الفروق القائمة بين أفراد الاسرة الواحدة؟ لماذا وبالرغم من أن للأبناء نفس الأم والأب تختلف طباعهم وشخصياتهم وقدراتهم ؟ ولعلنا اليوم أجبنا على جزء من الاسباب والتفسيرات للاختلاف بين أفراد الاسرة الواحدة فمع أنهم ترعرعوا في نفس البيت ولنفس الوالدين فإن لترتيب الولادة الأثر الكبير على مميزات الشخصية خاصة ان نفس الوالدين يكونان ذوي أساليب مختلفة بنقاط زمنية مختلفة مما ينعكس بدوره على طبيعة شخصية الأبناء، فالأم مع البكر ليست كما هي مع الاوسط وليست كما هي مع الاخير أو الوحيد وهذا ما يجعل الكثير من الاختصاصيين اليوم كجزء من التشخيص في العلاج والاستشارة المبادرة بالسؤال عن الترتيب والمكان في التسلسل الولادي لما فية من دلالات على الفرد وشخصيته.