في ظل الظروف التي نعيشها في الآونه الأخيره تحيا فينا وتُفعَل منظومة “القلق الأولي” ، وهو القلق امام كل ما يهدد الذات وصمودها. قلقٌ امام الاختراق والتهديد بالتلاشي. هذا القلق يثير الشك وقلق المطارده. غياب الخبرة والمعرفة لحدود الخطر الحقيقي، يزيدان من احتمالات تدخلات العالم الداخلي بقلقه وقياسه للواقع فنلجأ لاستعمال الآليات الدفاعيه الأوليه للتعامل مع ما نتخيله.
كلٌ يتعامل مع هذا القلق بنكهته الخاصه. البعض ينكر والبعض يبالغ في خضوعه للقلق وإمرته وسلطته.
يود البعض التخلص من القلق المؤرق بالإنكار والإيمان بكلية القدره ونفي احتمال ان يؤذيه هذا المخترق المجهول فيؤثر تجاهل الواقع وينفيه.. والبعض، تُفَّعَل لديه مشاعر المطارده حتى بغياب المطارد الفعلي، فيُسيِّره عالمه الداخلي الفزِع، الذي يكثر من إشارات الخطر في كل لحظه، فيحيا بشعور تهديد مستمر.
النفس البشريه مركبه، الخطر لا يكون خارجيا فقط بالعاده. نحن نتعامل في الفانتازيا مع خطر فقدان السيطره على عدوانيتنا وتدميريتنا التي تهدد احباءنا . هذا الظرف المركب يجعل الوباء يطابق بين الواقع الخارجي والداخلي وهذا يزيد من التعقيد. فهو يجعل من كل منا ضحية محتمله وجلاد تدميريٍ محتمل. لا نود من جهة ان نتأذى ولا نود ان نؤذي احباءنا ، ولذا فللبعض هذا التحدي يصبح ضخما في حجمه وامكانية التعامل معه تفوق القدرة فتُفعَّل آليات تعامل مختلفه بحسب التطور النفسي.
البعض الذي يعيش تحت سلطة الإنكار وكلية القدره نراه غير آبهٍ ومتحدٍ لقوة الطبيعه فيغلف ذاته بحماية موهومه.
اما المطارَد فهو يقبع تحت غلاف التأهب ومصارعة الغازي الذي يهدد باختراق جسده وأمانه فيعزل ذاته او يمارس طقوسا على هيئة “آلية الحرب” التي تستجيب لرغبته في تخفيض منسوب القلق والتأهب المستمرين.
بين هذين الطرفين المتطرفين ، نجد البعض ممن يُحَكِّم منطقه، فيحمي ذاته لكنه لا يعيش تهديدا في كل لحظة. من يُفَعَّل فيه القلق بالمستوى الكئابي فما يحركه اضافة لقلقه على ذاته، هو قلقه على الآخر المحبوب. نراه بهذا المستوى من التطور النفسي، يعي مسؤوليته .. ولكنه يعي ايضا قدرته الجزئيه في التحكم امام قوى الطبيعة، والقدريه وفقدان السيطرة على كل ما حوله، مستعينا بإيمانه وتقديره المنطقي لحجم التهديد.
هو من ينجح في ادارة الحذر والحيطة بدون مبالغه ولكن بحساسية ومسؤوليه على ذاته وآخريه. فيتبع التعليمات ويحكم على افعاله بمنطق من يفهم حجم التحدي على حقيقته دون اختزال ودون مبالغة ايضا.
هناك شرعية في تفعيل منظومتي القلق في مستوياتهما النفسية المختلفه ، كون المنظومتين حيويتين . فنرى اننا ننتقل بين الوضعية الاولى للثانيه باستمرار بحسب الواقع والظروف حولنا ومنسوب قلقنا وآلياتنا المبرمجه ووعينا وقراءتنا للواقع واسقاطاتنا. لا ضرر ولا ضير من التنقل بينهما، فالنقلات مهمة . اما الوعي وتجنيد آليات قراءة الواقع فهي ما يوازن القلق بشكل تدريجي.
سلامة الجميع والتمنيات ان نكون وأحباءنا بكل الخير والصحه وهدوء البال.
سوزان عكاشة